عن ” السماء ليست في كل مكان “

 



الكاتب الباحث الأكاديمي في الشؤون العربية البرفسور الياباني ( نوبواكي نوتوهارا ) في كتابه الجميل (العرب وجهه نظر يابانية) يقول لم أذهب إلى الصحراء وأدب الصحراء باحثا عن الغرابه بل ذهبت باحثا عن المعنى) . وعند قراه رواية : السماء ليست في كل مكان للكاتب السعودي محمد خضر و الصادرة عن الدار العربيه للعلوم ناشرون، عام ٢٠١١ ميلادي / نجد أن الرواية المكونة من ٧٨ صفحة تعبر أيضا عن المعنى و ليس الغرابة و تتوحد في هدفها مع الهدف الذي عبر عنه نوتوهارا
فهو عاش مع الطوارق و بادية سوريا و كل أنواع البشر الملتصقة بالطبيعة و التضاريس لكي يفهم معانيهم و كيف يفهمون الحياة و يحترمونها بطريقتهم، و كذلك كان الراوائي محمد خضر في روايته، فقد عالجت روايته الرسم الدقيق للتضاريس الطبيعية وقسوة البيئة التي دارت فيها أحداث الرواية كبقعة جرى أن عاش فيها مجموعة بشرية أرادت لهم الحياة أن يجتمعوا و حين أرادت لهم أن يتفرقوا حدث ذلك بالفعل. إن الكاتب كان يناقش بشكل دقيق معنى الحياة، البقاء، الانتباه ، الفراغ، التمايز، الحب و التجاوز، و جميع الهواجس من خلال شخوص الرواية الذين اختار أسماءهم بعناية فائقة لتصوير دلالات هامة جدا في عوالم الأمكنة النائية و المنعزلة عن ضوضاء المدينة و طموحاتها التي قد تكون ساحقة في الكثير من الأحيان، وأهم تلك الدلالات أن تلك الأمكنه تحافظ بشدة و إلى درجه المحو على تضاريس أفرادها و لا تعتبرهم الا جزءاً من تضاريس الطبيعة كما أسسها الزمن، الشخوص فيها يعيشون، يتالمون، يقارعون الصعاب، و يموتون أويغادرون و تبقى الطبيعة هي الصلبة الصامده ،لأنها هي الحياة و الاستمرار و البقاء، فهم يحاكون جبروت صعابها على هذا الأساس وقد بدى ذلك جليا في رواية محمد خضر في عده تفرعات و مواقع و كذلك من خلال نسجه الدقيق للعلاقات بين مكونات الرواية و رموزها دون أن ينسى أو يتحاشى التلامس مع التهذيب العالي للذات البرية المستوحشة التي تحترم علاقاتها مع مكونات الطبيعة و التي كان من ضمنها نبات العشره الذي لم يغب عن صفحات الرواية و كان يظهر بين الحين و الاخر ما بين مكون تاريخي متجذر في عمق تضاريس إربه و تراكم تجربة و ثقافة أهلها، حتى أنه قرر في أن يوثق في بدايات نهاية الرواية كيف بقيت نبته العشره و غيب الموت شيخ القبيله و غيره من شخوص الروايه و في هذا الطرح دلالة على أن الذات البرية لاتشكل ذاتها و لا تفرض بقاءها بالاع من تضاريسها، فنوتوهارا الياباني في كتابه يشير بشده الى هذه الخاصية حين يتسائل على النحو الاتي ( لماذا لا يطور البدو حياتهم؟ لانهم يعتقدون انها مكتمله لا ينقصها شيء وايه إضافة ستكون تنازلا او انتقاصا من حياتهم…..) و كذلك سرد لنا الكاتب محمد خضر بنص سردي متماسك و جميل هذا المعنى للحياة ضمن تضاريس الطبيعة في منطقه على الارض السعودية اختار أن يسميها (إربه) التي لها معنى محدد في معجم المعاني العربية و القران الكريم ولم يـغفل الكاتب محمد خضر أن يشير في روايته الى توحش الطبيعة و غرق الانسان فيها و كانه أحد تضاريسها التي يمكن أن تزول عن الوجود كالسراب و العدم في تلك البقعة من الارض و رمز المكان الذي أسماه *اربه* و لكنه أيضا لم يعزل إنسان تلك البقعة في مقارنة مبطنة عن انسان المدينة المتوحشة بدوافع إنسانها و ذلك من خلال إشارته لزمن دوران أحداث الرواية الذي اختار له ان يكون متزامنا مع أحداث الـــ (١١/٩) المشؤومة
كيف تابعت شخوص روايته الحدث و كيف شعرت به؟ ما هي المعاني التي أضفتها عليه و كيف ادركته؟ اجابات عالجها من خلال شخوص روايته الذين تلاشو تدريجياً من تضاريس تلك البقعة المكانية التي أسماها (إربه) و بقيت نتؤات الآمهم و خيباتهم دون أن توثق في ذاكره أحد، ف (إربه) ان برعت في شيء فقد كانت بارعة بالنسيان، و ابتلاع شخوصها.
و لم ينس الكاتب أن يأتي على رمز لطالما عرفته الطبيعة و لطالما اعتبرته هاجسها الذي لا ينام أو يتلاشى الا بأمرها، إنه رمز المرأة بكل تضاريسها الهشة-القوية، و نتؤاتها الرقيقة-الصلبة، و كيف يمكن أن يثأر الانسان لنفسه من الطبيعة حين يعاقب واحداً من أهم تضاريسها و هي المرأة. فقد عاقبت تلك البقعة التي اسمها *اربه* تلك المرأة الممزقة بجراحاتها و التي أسماها *زيانه* شر عقاب حين نفتها في عالم المدينة الكبيرة الساحقة للتضاريس البشرية فالمدينة لا تعترف بالاختلافات و لا تهمها الفروقات .
و هو بذلك يشير بقوة الى قضية تكاد تكون أزلية في الواقع العربي و الرواية العربية و هي قضية المرأة، لتكشف لنا مجريات الأحداث التي دارات في *اربه* المنسية، النائية و المهملة، الكثير من الآمها و أحزانها، و كذلك جمالها

كتبته : هدى العلي

تعليقات

الأكثر قراءة