عن مؤقتا تحت غيمة لمحمد خضر – فرزند عمر
رائحة البحر تكاد تفوح من قصيدك و بيروت لا أدري كيف تخيلتها فإذن لي وإن كنت جامحاً بمخيلتي بعض الشيء لكني كلما قرأتها تذكرت بيروت بصخبها اللامعقول و هدوئها بتناقضاتها المهولة حتى أنني لا أرى و لا أرضى الا أن تكون مركز العالم كله فبالله عليك فإن كنت من بيروت و هذه القصيدة لها أحلفك أن تسلم لي على كل حجارتها و لا أنكر عليك أنني بحثت عن الدولة التي أنت منها لم أحصل في سجلك المدون على أي معلومة .
على كل إن لم تكن بيروت فمدينة تستوقف شاعراً يحمل كل هذا الدفء و التحليق لا بد و أن تكون جديرة بأن يكتب فيها ما كتبت .
و سأتجاوز كل حدودي و أسميها لك : إنها بيروت و أرجو أن أكون مصيباً
القصيدة ترتكز في بنيانها على خلق فضاءات لا نهائية من الحرية فالصور كلها جاءت مفتوحة الاتجاهات معناً و إدراكاً .
حلم الطيران و التحليق الذي لازم الانسان منذ الأبد يبدو جلياً في المعاني المدركة للصور الشعرية فالشاعر يأبى القيود و يحاول التمرد على الجاذبية الأرضية ينفي كل النهايات فالأفق لديه متسع للا رؤيا .
يقول الشاعر ( تفاحة لا تنتهي _ طفولة تتملق الأبدية _ ابنة الليل , سارقة الوقت والــــ….. من جعبة الاصدقاء …. إلخ )
و هذه الفضاءات تضيف بعداً مفتوح المعنى للقصيدة فالمخاطب يسرق الزمن من جعبة الأصدقاء كي يمنحم الديمومة و يفتح لهم باب الأزل .
و هذا التحليق جاء بشكل دائري تموجي يشبه موج البحر لذلك سنحاول دراستها حسب التموجات الموجودة
الموجة الأولى :
سميناك فاتحة الاشياء
تفاحه لاتنتهي
طفولة تتملق الابدية
سميناك رغبة ,, شبق
شهوة الاتين من مدن بعيدة
الموجة الثانية :
سميناك , اول الصحــــــو
عاقبة الكأس
سميناك , مفتاحا للانهائي
الموجة الثالثة :
عصية الدمع في زمن البكاء
سميناك حورية الشاطي المغطى بالعرايا
سميناك , ضحية التمرغ في الورد
اغاني فيروز
اشعار انسي الحاج ,,,نساء بيكاسو
سميناك نظرية التلاقح الادمي
الموجة الرابعة :
التخوم / المدى
الهدى / الندى
سميناك ,, جولة في النواحي المرهقة
خيل طموح
الموجة الخامسة :
نهر الرغبة / رغبة النهر
يا امراة من سماء الحضارات
من خرافة
من عجينة الوقت
اصعدي معراج الليل
آن للبدر أن يقبل جبينك
و هذه الأمواج الخمس أو الدوائر كما أسلفنا تربطها دائرة كبيرة و هو النص بكامله .
فلو تأملنا في هذه الأمواج نراها تكبر شيئاً فشيئاً لتلطم ذهن القارئ في النهاية بتحليق لا نهائي متحولة إلى رذاذ منعش .
ففي الموجة الأولى يبدأ الشاعر بجملة ” سميناك فاتحة الأشياء ” و بذلك يفتتح القصيدة و الموجة الأولى لتنتهي بتحليق لا مثيل له ” شهوة الآتين من مدن بعيدة ” فالشهوة نفسها عملية تذهب العقل و تجعل الانسان في عالم من الأحلام و الطيران فكيف إن اجتمعت كل الشهوات و من أناس آتين من سفر بعيد .
ثم ننتقل للموجة الثانية بأن يأخذنا الشاعر من أول الصحو حيث السكون مخيم على كل الأشياء ليتركنا عند باب للناهية نسبح فيه إلى الأبد حيث السراب .
في الموجة الثالثة تهدأ العاصفة من جديد و يفاجئنا الشاعر بجملة فيها من الاستكانة و الهدوء و الصمت ما يجعلها ساكنة هادئة ” عصية الدمع في زمن البكاء ” ليحلق بنا شيئاً فشيئاً من الحورية إلى الرائحة التي تنتشر بسرعة البرق إلى صوت فيروز لينتهي ب ” سميناك نظرية التلاقح الادمي ” حيث يترك العنان لمخيلته بأن يفتح باباً أخر من أبواب الاستمرارية اللا منتهية .
يهدأ الشاعر فيما بعد أن أطلق زفرة من النشوة ليبدأ موجته الرابعة ب ” التخوم / المدى “
فيستكين من جديد ضمن تخومه ليأخذنا شيئاً فشيئاً مرهقين في تفاصيل المخاطب ليسميها في النهاية خيل طموح فنستقبل بذلك مساحة شاسعة من الركض .
و في النهاية حيث أن الشاعر يود أن يزفر زفرته الأخيرة يخبرنا بعضاً من تفاصيل المخاطب فهي من سماء الحضارات هي أساس الخرافة و أساس الزمن فالخرافة تحمل من الحلم مايكفي لطيران شعوب بأكملها و قبل أن يبدأ الزمن كان العماء فهي نقطة البداية التي لا نهاية لها مع دعوة صريحة للصعود و التحليق .
فالشاعر بذلك يضعنا في أرجوحة تهدهدهنا شيئاً فشيئاً موجة موجة متحكماً في عواطفنا كدقات الساعة بالنقر عليها بشكل موزون و هادئ ينقلنا من السكون إلى الطيران و لا يحضرني في مثل تلك العملية إلا ترانيم أمي و هي تفسح المجال للنعاس أن يدب بوصالي عندما كنت صغيراً .
و ما الشعر برأي إلا رجوع إلى الطفولة .
و هذا الانكسار المتناوب هو ما يعطي للقصيدة موسيقاه الداخلية و التي يمكن الاستعاضة بها بدلاً من الأوزان الخليلية .
سأكتفي بهذا القدر مع أن القصيدة مازال فيها أغوار يجب أن تدرس ففيها من الصور البيانية ما يكفي لأن تطلق عليها معنى الجمال و فيها من بؤر التوتر ما يكفي لأن يقف المرء عندها ملياً .
شكراً لك إذاً يا صديقي الذي لا أعرفه إلا من خلال قصيدة واحدة شكراً لأنك سمحت للنشوة أن تدب بوصالي
عن ديوان ” مؤقتا تحت غيمة ” – كتبه : فرزند عمر – 2002
تعليقات
إرسال تعليق