إضاءة على نص ( غرفتي ) للشاعر محمد خضر
الشاعر صلاح عبد العزيز محمد – مصر
إعادة تشكيل العالم من المتعلقات الشخصية التى نحملها معنا فى حل وترحال تنشأ بيننا وبين هذه المتعلقات علاقة حميمية بحكم الترحال الدائم ربما حب من نظرة أولى كما فى الأفلام مع فارق كبير أن تلك الأشياء مجبرون عليها لأننا نتنفس حرية ونقيم فيها فهو وإن كان فى غرفة بفندق فهو يهتم بالتفاصيل وابراز هذه المتعلقات فى كينونتها وما تضفيه النفس على الأشياء من أنسنة تأتلف إليها فى الوحدة والسفر فالاهتمام بالتفاصيل والترتيب والنظام كعلاقات يبدو من مفرداتها علاقات سوية ولكنها ليست كذلك سرعان ما تكون الغرفة مبعثرة بعد ساعة وإنما الحميمية مع تلك الأشياء نابع من انهيار علاقات اخرى وعلى مستوى النص فى عالم التشيؤ فهو يحس بأثر الحقيبة فى مقبض الباب والحرية من عُلاقة الملابس والمضامين السوداء التى هى الأفكار الإنسانية تهرب نحو المجهول،
فعنوان النص غرفتى ( غرفة مقترنة بياء الملكية ) ما يعنى امتلاك المكان الآنى فى اللحظة الآنية وهو الذى يحضر نفسه للرحيل باقتران حرف (س) بالفعل أفتقد ما يحوله إلى مضارع مستقبلى وهكذا يهيئ نفسه للرحيل قبل الاقامة مما يتيح لى أن أقول تلك العلاقة المؤقتة ليست مؤقتة بل هى مستديمة كالغربة المستديمة
فالدولاب المفتوح طيلة الوقت
وعلامة القبلة التى فى السقف وحقيبة اليد ومقبض الباب
عُلاقة الملابس والحرية
والكتب والسيراميك والمضامين السوداء
والبنادول للصداع
وبطاقته الشخصية والعقال الجديد كلها علاقات فاعلة؛ لأنه بعيد عن مركز الكون كينونته وهويته، ومن خلال علامة القبلة ومفردات النص تجعل الشئ ونقيضه فى آن واحد من خلال صور التشيؤ فهو يحس بأثر الحقيبة فى مقبض الباب والتحسن الملحوظ للصداع عندما وقعت علبة البنادول على بطاقته الشخصية وهكذا هو غرفة تتحرك الأشياء فيها تنطبع على النفس أو تنطبع النفس على الأشياء وهو ما يعبر به عن انفصال معرفى وعن مدى الحزن العميق لإنسان هذا النص عندما يتشيأ أى يتحول إلى مجرد شئ مثله مثل الغرفة بمحتوياتها وبما نحمله من متعلقات ورغم أن العابر لا يحسم إن كان سيبقى أو يغادر. فالتماهى بينه وبين الغرفة تجعله (ربما) هو الغرفة نفسها فالغرفة هى الشاعر والشاعر هو الغرفة يغلق نفسه ويرحل إذ لا علاقة بينه وبين موظف الاستقبال الذي يملك المعرفة ويمليها على مدير الفندق ( أغلقتنى ورحلت ) غرفة ترحل لا أحد يدخله سوى الأشياء من حوله فالعلاقة بينه وبين العالم هى هذه الجمادات يحس بها لأنه منها تحول بفعل المضامين الهاربة المعرفة المناقضة لما نعرف.
ويحيلنا التناص مع الآية ( وعلم آدم الاسماء كلها ) 31 سورة البقرة ما يعنى امتلاك المعرفة فى ثوبها الجديد فى مواجهة المعرفة القاهرة التى تدار بها الأشياء بعيدا عن معرفتنا ومركز الكون. فلا نهاية الأفلام .. نهاية الكتب ..نهاية القصيدة ..نهاية الصَّلاحية يحبها لأن معرفته لاتتسق وتلك، هو بانفصال تام ومؤكد عن هذا العالم فالغرفة يتفحصها موظف الاستقبال فى وجهه معرفة تتفحص معرفة (لم يسألنى) لأنه يعرف (كان يدرك) لأنه يعرف والتعارف حتى على مستوى الملبس فى صورة العقال الذى تدحرج بعيدا هى معرفة تفر. وتظل تلك الحالة حتى(اكتفى بتفحص الغرفة فى وجهى) ولأنه الغرفة (اغلقها بهدوء ومضى) ولأنه الغرفة أغلق نفسه ورحل.
الشاعر صلاح عبد العزيز محمد – مصر
—————————–
نص للشاعر / محمد خضر
…
غرفتي
سأفتقدها غرفتي في الفندق ..
التي صارت مبعثرة تمامًا بعد أقلِّ من ساعة..
حميمة تمامًا مثل الحبِ من نظرةٍ أولى في الأفلام ..
سأفتقدها ..
بين حقيبةِ اليدِ التي علقتها على مقبض الباب
فمال كتفي ..
وعلامة اتِّجاه القبلة ..
التي جعلتني أحدِّقُ في السقف لساعات
وأكتشفُ مركز الكون ..
الدولابُ الذي تركتهُ مفتوحًا طيلة الوقت
لأتخيَّل الحريَّة مُدَلَّاةً من علاقة الملابس ..
والكتب التي نثرتها على السيراميك
كي تهرِّب المضامين السوداء من شقوق تالفة نحو المجهول ..
علبة “البانادول” التي اتَّكأت على بطاقتي الشخصية فشعرتْ بتحسُّن ملحوظ ..
عقالي الذي اشتريته مؤخرا ولازلنا في مرحلة التعارف
الذي تدحرج بعيدا ..بعيدا
حتى توقف على ضفاف (الجنز) المسجَّى ..
علبة السجائر و مايتركه الأصدقاء كرديف في الروح ..
موظف الاستقبال -الذي علّم مدير الفندق الأسماء كلها –
لم يسألني إن كنت سأبقى ليوم آخر…
كان يدركُ أن العابرَ لايحسمُ هذه الأسئلة
…………..
اكتفى بتفحص الغرفة في وجهي ..
أغلقها بهدوءٍ ومضى !
—
وكما لا أحبُ نهاية الأفلام .. نهاية الكتب ..نهاية القصيدة ..نهاية الصَّلاحية ..
بنظرة أخيرة ..
أغلقتني ورحلت !
محمد خضر – السعودية
من ديوان ” فراغ في طابور طويل
تعليقات
إرسال تعليق